السودان- عام ثالث من الحرب.. الجيش يستعيد زمام المبادرة ووحدة البلاد في خطر

المؤلف: الصادق الرزيقي09.08.2025
السودان- عام ثالث من الحرب.. الجيش يستعيد زمام المبادرة ووحدة البلاد في خطر

مع اقتراب الخامس عشر من أبريل لعام 2025، تكون حرب السودان قد بلغت عامها الثالث، محملة بتطورات مصيرية على أرض الواقع. تأتي هذه التطورات عقب عامين من الاقتتال الشرس، وتقلبات إقليمية ودولية تركت بصماتها الواضحة على الأحداث الداخلية في السودان. لا يبدو أن هناك حلولاً سياسية تلوح في الأفق، ولا يوجد اتفاق على استئناف المفاوضات التي قد تؤدي إلى وقف إطلاق النار. تظهر القيادة السياسية والقوات المسلحة رفضًا باتًا لأي تسوية تعيد قوات الدعم السريع وحلفاءها إلى المشهد السياسي.

من الجدير بالذكر أن الجيش السوداني يفرض سيطرته الآن على مناطق واسعة من الأراضي السودانية، وذلك بفضل انتصارات كبيرة تحققت نتيجة إعادة تنظيم العمليات العسكرية ووضع خطط قتالية جديدة. يهدف الجيش إلى استعادة جميع المناطق التي دخلها المتمردون منذ اندلاع الحرب قبل عامين، سواء في العاصمة أو في ولايات وسط السودان.

يظهر الجيش السوداني في موقع أفضل من حيث الأداء العسكري، والتجهيزات بالأسلحة والمعدات الحربية الحديثة، فضلاً عن تماسك الخطوط الأمامية ووحدة الصفوف. كما يتمتع الجيش بدعم شعبي واسع النطاق، وهو ما ساعده على إلحاق الهزيمة بالمتمردين، وتقويض قدرتهم على المناورة والمواجهة على الأرض، وسلبهم الروح المعنوية والقدرة على الحفاظ على المواقع الحيوية التي كانوا يسيطرون عليها منذ بداية الصراع.

من بين العوامل الهامة التي ساهمت في تفوق الجيش، التخطيط المنسق الذي أدى إلى تقطيع أوصال قوات الدعم السريع، وفصل وحداتها العسكرية عن بعضها البعض. كما نجح الجيش في اختراق صفوف المتمردين ومراكز القيادة والتحكم، وذلك من خلال عمل استخباراتي متقن، وقطع خطوط الإمداد. بدا الجيش متفوقًا في معركة الخرطوم في مجال الاتصالات والتشويش والعمل الاستخباراتي، بالإضافة إلى العمليات العسكرية على الأرض.

على مدى عامين، خلفت هذه الحرب خسائر بشرية ومادية كارثية. تشير التقارير والدراسات الدولية إلى أن عدد القتلى من المدنيين يتراوح بين 70,000 و 150,000 شخص. بالإضافة إلى ذلك، تم تهجير أكثر من ثمانية عشر مليون سوداني قسرًا من منازلهم ومدنهم وقراهم، ليصبحوا نازحين في الولايات الآمنة، أو لاجئين في دول الجوار، أو مهاجرين إلى بلدان أخرى بعيدة (حوالي 2.5 مليون لاجئ).

بينما يعاني حوالي 25 مليون سوداني (نصف عدد السكان) من شبح المجاعة والتجويع المتعمد، وفقًا لتقارير وكالات الأمم المتحدة، وخاصة برنامج الغذاء العالمي (WFP) ومنظمات أخرى.

تفاقمت الخسائر المادية نتيجة لتدمير مؤسسات الدولة، وقطاع الخدمات، والقاعدة الصناعية، والقطاعات الإنتاجية، وممتلكات المواطنين. كما تراجعت إيرادات الدولة مع انهيار الاقتصاد الكلي، وتناقص الموارد، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي.

تشير التقديرات المتحفظة إلى أن الخسائر تتجاوز 215 مليار دولار، وقد تصل إلى 550 مليار دولار إذا تم حساب الأضرار والتدمير في جميع الولايات، وفي إقليمي دارفور وكردفان.

دمرت الحرب أيضًا البنية التحتية، وتآكلت قيمة العملة الوطنية، وتضاءلت قدرات الدولة والمجتمع. كما واجه رأس المال البشري تهديدًا خطيرًا. خرجت ولايات ومناطق واسعة من السودان من دائرة الاقتصاد القومي والإنتاج، خاصة الولايات التي تنتج البترول، وتصدر الماشية واللحوم، والفول السوداني، والصمغ العربي، والذهب، وهي المنتجات التي كانت تدر عائدات كبيرة تعتمد عليها الدولة.

لا يختلف أحد على حجم الدمار الذي لحق بمنازل المواطنين وممتلكاتهم، وعشرات الآلاف من السيارات التي سُرقت وتُباع اليوم في أسواق الدول المجاورة للسودان.

فقد ملايين السودانيين مصادر رزقهم، وتعطلت أعمالهم. كما حُرم الأطفال في سن التعليم والطلاب من فرص مواصلة تعليمهم (حوالي 6.5 ملايين طفل)، بعد توقف العملية التعليمية في العديد من مناطق السودان والمدارس. ولم يتمكن حوالي 714,000 طالب جامعي من مواصلة تعليمهم الجامعي بعد تدمير الجامعات وإغلاقها بسبب الحرب.

بالإضافة إلى كل هذه الخسائر، تبدو الخسائر الأمنية والسياسية للسودان أكبر، وقد أصبح وجود السودان كدولة واحدة موضع شك وقلق. قد يفقد السودان وحدته الترابية ويتفكك إلى مجموعة من الدويلات الصغيرة، إذا استمرت الحرب واشتد لهيبها.

بعد عامين من الحرب، يقف السودان على حافة الهاوية، خاصة بعد إقدام مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها من الحركات والتنظيمات السياسية والعسكرية على تنظيم مؤتمر في نيروبي في شهر مارس الماضي، حيث تم توقيع ما يسمى "الميثاق التأسيسي للدولة السودانية"، وتوقيع مشروع دستور جديد. هذه الخطوة، على الرغم من ضآلة فرص نجاحها، ورفضها من قطاعات واسعة من الشعب السوداني والدول الإقليمية والاتحاد الأفريقي والدول العربية والولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا والصين، إلا أنها تشير إلى خطر تبني الدعم السريع للفكر الانفصالي والتركيز على المناطقية، وهو ما يسعى إليه التمرد اليوم.

ليس من الصعب على من يراقب تطورات الحرب السودانية أن يلاحظ ردود الفعل لدى القوى الداعمة للتمرد وحلفائه في بعض دول الجوار، حيث يحاولون الهروب إلى الأمام من خلال تبني صيغة الحكومة الموازية والنموذج الليبي، بعد فشل مشروع السيطرة على كامل الدولة السودانية، والهزيمة الساحقة التي لحقت بقوات الدعم السريع، وطردهم من العاصمة السودانية وولاية الخرطوم، وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والأزرق، وأجزاء واسعة من ولايتي جنوب وشمال كردفان.

مع دخول العام الثالث للحرب، تشهد الساحة الميدانية تطورات عسكرية هامة، تتمثل في استعادة الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم، التي كانت تسيطر قوات التمرد على أجزاء واسعة منها، بما في ذلك القصر الجمهوري، ومقار الحكم والوزارات، والأحياء السكنية، ومنازل المواطنين.

تكبدت قوات الدعم السريع خسائر فادحة (لم يتم حصرها بعد) في صفوف المقاتلين وعناصر المرتزقة الأجانب، بالإضافة إلى خسائر في المعدات العسكرية التي استولى عليها الجيش، والتي تقدر قيمتها بملياري دولار، وتشمل طائرات مسيرة وصواريخ ومدافع ثقيلة ومتوسطة، وأنظمة اتصالات ومنظومات دفاع جوي وتشويش وذخائر متنوعة ومركبات ومدرعات مصفحة وناقلات جنود.

الأهم من ذلك هو أن زمام المبادرة العسكرية أصبح في يد القوات المسلحة السودانية، التي تتقدم في جميع محاور العمليات الحربية نحو ما تبقى من ولايات في غرب البلاد. في المقابل، تتجرع مليشيا الدعم السريع مرارة الهزائم، وتعاني من انهيار دراماتيكي متسارع، وهروب جماعي من صفوفها، وتفتقر إلى القدرة على تحقيق أي عملية عسكرية ناجحة تستعيد بها الروح المعنوية للقوات المهزومة أو تسيطر بها على موقع ذي أهمية إستراتيجية.

ستنتقل الحرب في العام الثالث إلى إقليم دارفور، حيث تتواجد مليشيا الدعم السريع في أربع ولايات، وتحاول شن هجمات للسيطرة على مدينة الفاشر، بالإضافة إلى وجودها في الجزء الجنوبي الغربي من ولاية غرب كردفان، وتعاونها مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان.

يعتزم الجيش السوداني، من خلال خطط محكمة، محاصرة التمرد في هذا الجزء من السودان، تمهيدًا للقضاء عليه تمامًا، مستفيدًا من التفوق الميداني وسلاح الجو والطيران المسيّر، والخبرة العسكرية المتراكمة التي تمتد لقرابة المائة عام، وهي تاريخ تأسيس الجيش السوداني في عام 1925.

لقد نجح الجيش، من خلال عملية استنزاف طويلة استمرت لعامين، في نقل الحرب إلى مسرح عمليات مختلف، حيث يستطيع حسم المعارك، وذلك بوجود القوات المشاركة التي تتبع حركات دارفور الموقعة على اتفاقية سلام مع الحكومة، بالإضافة إلى المستنفرين والمقاتلين المتطوعين.

يستفيد الجيش أيضًا من حالة الاستياء والرفض لوجود قوات الدعم السريع في ولايات دارفور التي تسيطر عليها، حيث بدأ المواطنون في إعلان احتجاجاتهم ورفضهم الصريح لقوات التمرد ومرتزقته وجرائمهم التي تُرتكب كل يوم.

يعتمد التمرد المليشي خلال هذه الفترة، مع دخول عام الحرب الثالث، على شن هجمات بالطائرات المسيّرة على مدن في شمال السودان، واستهداف البنية التحتية، وترويع المواطنين بهدف تهجيرهم، كما حدث في مناطق الفاشر في شمال دارفور.

ولكن مع نجاح حكومة السودان في تحريك قضية دعم الإبادة الجماعية ضد الدول الداعمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وتقديم الوثائق والأدلة الدامغة لدى المحكمة والرأي العام العالمي، سيكون هناك واقع جديد، ولن تقف الدول في الإقليم مكتوفة الأيدي إزاء التطورات السياسية والعسكرية الراهنة، خاصة إذا ثبت تورط الداعمين الرئيسيين في هذه الجرائم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة